defersite

جزيرة غمام


 

رؤية نقدية : بقلم عبد السلام ابوندا

5/3/2022 

وصل الكاتب عبد الرحيم كمال في حلقات "جزيرة غمام" الى قمة النضج في قراءته لواقع الصراع الصهيوني العربي ، و بعيدا عن التبسيط في فهم المسلسل الذي وصل اليه بعض النقاد حين اختصروا فهم اسقاطات المسلسل على اساس ترجمتها بانها تتحدث عن "علاقة الناس بالدين و التدين" فقط ، بينما المعنى الاسهل و الاقرب لكل الروافد الدرامية و الاسقاطات كانت اكثر وضوحا في تفسيرها لطبيعة الصراع الصهيوني العربي.  جاء هذا النضج نتيجة استخدام الكاتب لمعادلات درامية غنية بالترميز و الدلالات التي عبرت عن ردود فعلية لمسلسلات درامية رمضانية للسنوات الماضية ، قامت على انتاجها وبثها قنوات خليجية هدفت الى كي الوعي العربي لكي يصبح مؤهلا لقبول تطبيع مع "طرح البحر" يهود الحركة الصهيونية  الذين جاؤوا بحرا الي شواطئ فلسطين، ولهذا كانت مدلولات المسلسل و اسقاطاته نتيجة تجارب الكاتب الباحثة عن تمرير بث جزيرة غمام علي نفس تلك القنوات التي كانت سترفض بث المسلسل عليها لو استشعرت ما ذهب اليه الكاتب في ترميزاته التي تركها تسبح في اللاوعي الهائم  للمشاهد، معتمدا على براعة في الوصف و التحليل، تلك البراعة التي تقال بها الاشياء الصعبة و المعقدة ، وفي استخدام البساطة الصوفية و فكرتها كي تعمل على قلب الواقع المباشر الى خلوة الصوفية العابدة و التي جسدتها شخصية "عرفات" التي لعبها الفنان المبدع احمد امين.   

ذهب عبد الرحيم كمال في رحلة وقاية تقي الشعب المصري من اي تطبيع محتمل حينما استخدم اللهجة الصعيدية في "جزيرة غمام" و سبح في غمار الافاق الواسعة للزي و العادات و التقاليد الصعيدية فكان رداء القصة "امثولة رمزية" ارتدت حلة مصرية شعبية ! كيف لا يذهب الكاتب لذلك و هو يعلم ما الذي يعنيه الصعيد للمصريين و ما الذي تعنيه مصر للوجدان العربي، فمغزى الحكاية قدوم الغريب الذي جاء و احسن اكرامه اهل الارض رغم تحذيرات و عدم رضى البعض حينها و استغلال هذا الغريب "اليهود الصهاينة" التي رمز اليهم "طرح البحر" لكل الاساليب الملتوية و اللا اخلاقية التي افرزت نتائج مرعبة على كل المستويات لينتهي المطاف بالضيف الصهيوني صاحب ارض، و يصبح صاحب الارض ضيفا!

                                                                                                       

ذهب الكاتب في تسميته لمكان القصة الى رمزية الغمام الحاجب للنور، حيث الرؤية الضبابية و اكد  المخرج ذلك باستخدامه الصورة النهارية و الليلية الملبدة بالغيوم و التعتيم ، فنقلت لنا جوا ملتبسا وضعتنا من خلاله في واقع صنعه خيال الكاتب ليصل بنا الى حقيقة الاسقاط الفني المقصود للواقع المرير في الصراع الصهيوني العربي، و لكي يقود تفكيرنا في لاوعينا الى جوهر الصراع بين الرموز المنتقاة ، و يجعل منها معادلا لواقع نعيشه في هذا الصراع الاساسي مع الحركة الصهيونية، الذي جسده الخط الدرامي الاساسي للمسلسل و الذي قام على تغذيته خطوط درامية فرعية، جسدت اعمدة درامية فرعية  في صراعات ثانوية بين مكونات الطرف الواحد احيانا ، و الطرف الاخر احيانا اخرى، فورثة "الشيخ مدين" الذين جسدهم عرفات الصوفي و محارب (فتحي عبد الوهاب) المتشدد المتطرف و يسري رجل دين البلاط صاحب التيسيرالمفرط.

 الخط الدرامي الثانوي الاخر تمثل في صراعات  الباطل الذي جسدته شخصية "بطلان" و اصاحاب الثروة الاخرين و شخصية "عجمي"صاحب الشخصية الرمادية، فهو العارف للحق و لكنه يصب اهتمامه للبقاء في السلطة ، فكانت شخصية جسدت ترميزا لكل القيادات العربية التي اعتمدت الانتهازية و القوة و البطش للاستمرار في الحكم على اعتبار انها ارث ممتد لها ومن حقها فقط و ليس لغيرها.

 الخط الدرامي الرئيس تمثل في الصراع بين "خلدون" (طارق لطفي)  الذي تزعم مجتمع "طرح البحر" الذي نراه ترميزا واضحا ومدلولا للحركة الصهيونية القادمة بيهودها عبر البحر، تحملهم سفن ما بعد الحرب العالمية الثانية التي وصلت الى فلسطين، فخلدون يريد البقاء على الارض وان يحوّل الارض الى ملكية خاصة به وله، بقاءه ارتبط بقدرته على محاولاته الدائمة على تدمير كل ما على الارض عبر اصراره على التقسيم و وضع الجدران الفاصلة بين اصحاب الارض (جدار غمام البحرية و غمام القبلية) و اشعال كل انواع الفتن بينهم، مستخدما كل اساليب التفريق و التلاعب بهم و بعقولهم، فذهب لتجنيد محارب المتدين المتشدد المتطرف "محارب" الباحث عن المال و السيطرة بالقوة و "يسري" المفرط و رجل دين الحاكم الضعيف المستكين الانتهازي الذي ورث مبنى المؤسسة الدينية التي اصبحت دارا له "دار الشيخ مدين" . بل استطاع "خلدون ان يضع الحاكم العربي التي تجسدت في شخصية  "العجمي" ( الفنان رياض الخولي) تحت تهديده لدرجة انه كاد ان يتزوج ابنته "درة" (الفنانة ميار الغيطي) بعد ان قام بفضح تاريخه و فضح اسرار كل سكان جزيرة "غمام" و بعد ان قادهم الى صراعات ادت فيما بينهم الى صراعات و قتل، واصبح بعد ذلك قائما على فرض شروطه بل وصل الى اعتلاء منبرهم الديني في الصلاة ليصبح الامر الناهي، و لم يستطع احدا مواجهته سوى زوجة "عجمي"  (وفاء عامر) الاولى المطلقة بشخصية "هلالة"، التي جسدت حيثية الارض و الوطن الرافض لكل ما يجري من قبله كغريب من ناحية و من قبل اهل القوة و الحكم في الجزيرة من ناحية اخرى.

في الخط الدرامي الرئيس وفي غياب قهري ل شخصية "عرفات" ترميز مباشر لاسم زعيم الشعب الفلسطيني و ثورته استطاع "طرح البحر" ان يجعل من جزيرة غمام الموقع (فلسطين والوطن العربي) ان يؤسس لمجتمع منقسم متناحر على المستوى الاقتصادي و السلطة و الاجتماعي الذي افسح المجال الى سيطرة "خلدون" و شعبه "طرح البحر" بينما لم يستطع اكمال سيطرته على "عرفات" صاحب الفكرة القائمة على الحب التي قام بتلقينها لاطفال جزيرة غمام في اسقاط واضح و ترميز ملهم لفكرته الجامعة الباحثة عن انهاء كل الصراعات الثانوية بين اهل الجزيرة و اصحابها لابقائها وحدة اجتماعية واقتصادية و سياسية واحدة يلتف حولها كل اهل جزيرة غمام لتعيد الى اذهاننا الفكرة الوطنية العروبية التي وحدها اخرجت ملايين الناس خلفها لتلتف حولها عاملة الى هدم جدران الفرقة المكانية و الزمانية، و لتصبح  هي الية الانتصار الوحيدة القادرة على ايقاف الحركة الصهيونية الخلدونية لاستعادة كامل ارض غمام بما فيها الارض التي نزل عليها "طرح البحر" كمجموعة غريبة عن الارض لم تهدف يوما الا الى السيطرة على غمام دون كلل او ملل.   

 

بسط الصوفي "عرفات" فكرته و تكلم بصدق واضح في اكثر من مكان و مناسبة بانه لا يعرف الغيب و لا يتعاطى بالشعوذات و الفلسفات و كل ما تكلم به لسكان الجزيرة سوى حقيقة الواقع و تكلم مع اطفال الجزيرة (الشعوب العربية) بمفهوم الحب البعيد عن الحقد و الكره و ان جل ما يجب ان يقود الانسان هو الحب و الاخاء و التسامح بين ابناء الوطن الواحد، مما اعطاه قدرة كبيرة على التجييش للفكرة القائمة على الاساس و القاعدة، بينما لا يناقش التفاصل التي اعتقدت شخصيات المسلسل بانها اسرارا امتلكها قائمة على الغيبيات و الكرامات اللا منطقية التي شدت الجميع للايمان به.

من هنا جاءت الفكرة العرفاتية للفكرة لتعدل الهرم المقلوب ، لا تنكر الصراع مع القادم الغازي الطامع ، فلا تنكر الطريقة و الالية الواجب اتباعها لمواجهة هذا الغازي بل تذهب للتأسيس لمجابهة شره و اطماعه عبر الانسجام بين المجتمع صاحب الارض وهم في هذا الترميز (العرب و الفلسطينيين) باستخدام اسقاط كل اوجه الصراعات الثانوية بينهم و بترسيخ وحدة اجتماعية اقتصادية في بوتقة سياسية واحدة لكي تكون قادرة على استرجاع ما ضاع و مجابهة جماعية للغازي الطامع (الحركة الصهيونية)

نقل الكاتب عبدالرحيم كمال من خلال شخصية عرفات أعقد الأفكار السوشيوسياسية ، ليصبح هدف الفكرة تجديد الارادة ومراجعة الحالة العربية، فلا يمكن ان يتحقق ذلك من فكرة الكمال و لكن من فكرة التغلب على الخلافات في البيت العربي الواحد او الفلسطيني و الذهاب الى فكرة الوحدة، حتى و ان كانت  هناك خلافات قائمة على مصالح ذاتية في بعض الاحيان فالبحث عن التطابق غاية لا تدرك وليس من الضرورة بمكان ان تنتهي بشكل كامل و لكن لا يمكن ان تكون هذه الثانويات هي الاساس.

أما عرفات فأقصى ما يريده هو تجميع المتصارعين من اهل غمام ، لمنع "طرح البحر" من تحقيق هدفهم ، وان حالة عجزهم جاءت بعد ان تم ابعاده  قسرا عن جزيرة غمام ، نتيجة لخطفه من قبل قطاع الطرق و نقله الى جبلهم في اسقاط واضح و جرئ لما جرى عام 1982 حين اخرجت منظمة التحرير الى دول الشتات و منها تونس في مؤامرة دولية لتجريده من حقة ، الا ان ذلك لم يدم كثيرا حتى عاد الى غمام و هي هنا فلسطين ، وما علاقته ب العايقة (مي عز الدين) التي تنقل اسمها بين "العايقة" و "نور" الا ترميزا لوجه اخر متقلب من قيادات الحركة الصهيونية التي مالت في بعض الاحيان الى جانب الحق الفلسطيني عبر صراعها مع المتشددين من الحركة الصهيونية التي جسدتها شخصية خلدون الا انها لم تفلح في المشاركة  بصلح دو ديمومة بين "طرح البحر" اليهودية الدينية و الفلسطينيين.

الكاتب عبد الرحيم كمال و مخرج المسلسل (حسين المنباوي) و نجومه جميعا كانوا جميعا في مسلسل "جزيرة غمام" نجوما حراسا على الدراما العربية في رمضان حين سقط فيه السواد الاعظم من الانتاجات الاخرى و التي كانت لا تستحق فلسا واحدا مما تم صرفه لها ، بل كانت مضيعة للمال و الوقت و الجهد و ما هي الا اعمالا ساقطة على المستوى الثقافي و الفني. 

اسرائيل و تركيا من سايكس بيكو الى لوزان

 استمر رؤساء الولايات المتحدة على مدى تاريخها الى اعتماد مذهب سياسي يقوم على مفهوم "الهيمنة" مقابل الحماية الامنية، ولم تكن لتسمح لأي دولة من القيام بدور الحماية، حتى ان الحرب على اليابان انتهت بتوقيع اتفاق سلام يقوم على الاذعان مقابل الحماية، نفس المذهب الذي اعتمدته مع المانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ما كان لهذا المذهب ان يتغير إلّا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، الذي شكل وجوده حالة استقطاب شديدة، اعطت هذا المذهب حالة استمرار و ديمومة، لكن هذه الاستراتيجية تغيرت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، لغياب المنافسة بين الطرفين ولم يعد للاستقطاب ضرورة في ظل نظام العولمة القائم على القطب الواحد المتمثل بالولايات المتحدة. مما دفع الولايات المتحدة لتغيير مذهبها الذي يعتمد "الهيمنة" كاستراتيجية مذهبية الى مذهب جديد ليصبح "الهيمنة وحفظ امن العالم مقابل الثمن"، تبلور هذا المذهب في عهد بوش الابن و ترجمه من بعده خلفه اوباما الذي اعلن عن المذهب الجديد علانية في مقابلة معه تم نشرها بتاريخ 5 ابريل 2015 في نيويورك تايمز، وعرف باسم: (Obama Doctrine)                                                                                                                                                                                          

سمح نظالم العولمة للاقتصاد الصيني بالانخراط فيه وسط ترحيب الغرب بقيادة الولايات المتحدة بعد توقيع الصين على اتفاقية التجارة  الحرة، لم تدرك امريكا انها بفعلتها هذه قد اخرجت المارد من القمقم! حينها كان الاقتصاد الصيني يساوي نظيره الهندي، الا ان تقدم الصين لتصبح عملاقا اقتصاديا و مالكا لديون الولايات المتحدة و دول الغرب اهلها  الى زراعة جينات اقتصادها في كل جينات الاقتصاد العالمي و جعل من الصين مصنع العالم. أفاقت الولايات المتحدة على كارثة لم تكن على موعد معها و لم تتمناها، فهي المهيمنة على العالم وها هي تواجه من يبحث عن مشاركتها هذه الهيمنة، مما دفع بالولايات المتحدة الى تحويل مصالحها و اهتماماتها الى جنوب شرق اسيا للحفاظ على تواجدها في بحر الصين في محاولة لحصار التمدد الصيني. تحول دفعها للاستعانة بادواتها و حلفائها في منطقة الشرق الاوسط لتكون بديلا لها في المنطقة بما يحفظ مصالحها و يكافىء الوكلاء ايضا  عبر تحقيق طموحاتهم التي تم تحجيمها تاريخيا باتفاقيات دولية مثل سايكس بيكو و معاهدة لوزان، فتم توكيل اسرائيل و تركيا فهم حلفاؤها التقليديين في الشرق الوسط، وهم فائض القوة الكامنة لحفظ مصالحها.

وضعت الولايات المتحدة و الوكلاء الجدد اليات تحقيق اهدافها و اهداف الوكلاء معتمدة على منهجها الدائم و الذي تستحضره عند الحاجة "الفوضى الخلاقة"،  فجاءت هذه الاليات منسجمة مع مذهبها الجديد "الهيمنة و دفع الثمن"، فذهبت الى الهاء الرأي العام في منطقة الشؤق الاوسط لينشغل بالحاجات الاستهلاكية الانسانية و تحرفه عن اهدافه الحقيقية الدافعة نحو النمو، و قامت بتشغيل ادواتها الاسلامية و الاقليمية في خطوة تحاكي الدور الذي لعبته في حرب افغانستان، وعاملة لاعادة ايران الى الحظيرة الامريكية مستخدمة كل السبل الممكنة و المتاحة لتحقيق هذا الهدف لادراكها ان ذلك يؤدي الى قطع الطريق على الصين و يمنعها من الوصول الى البلقان و منها الى قلب اوروبا.  

وجدت الدول العربية نفسها امام واقع جديد يجعل منها صيدا ثمينا في حال اعادة صياغة اتفاقية سايكس بيكو، مما دفعها الى الاذعان للمذهب الامريكي الجديد، وقامت على ارضائه بدفع مئات المليارات من الدولارات و التخلي عن القضية الفلسطينية لصالح اسرائيل و تركيا الوكيلين الجديدين، وذهبت اكثر من ذلك وقدمت التطبيع و توقيع الاتفاقيات مع اسرائيل على حساب الفلسطينيين كأصحاب الحق، ولم يكن هناك اي حرج لدى دول الخليج العربي من رفع العلم الاسرائيلي على اراضيها و توقيع اتفاقيات تتعلق بالامن معها فكان اتفاق التعاون التكنولوجي بين الامارات و اسرائيل، ومشاركة قطر في تحويل الانقسام الفلسطيني الى صدع عمودي حين لعبت كقناة اتصال بين اسرائيل و حماس التي وقعت تفاهمات غير معلنة بينها وبين اسرائيل في حين قامت منظمة التحرير برفض كل هذه التنازلات العربية التي قامت على حساب المشروع الوطني الفلسطيني، وبقيت منظمة التحرير وحيدة واقفة امام المشروع الامريكي الصهيوني الذي كافأ اسرائيل وغض الطرف عن ضم اراضي الضفة الفلسطينية ولتصل السيادة الاسرائيلية الى الحدود مع الاردن بانتظار الخطوة التوسعية القادمة، دون ان تنسى بان الولايات المتحدة قد منحتها الحق في القدس كعاصمة لها و يهودية الدولة التي منحها لها الرئيس اوباما الذي اعلن عن المذهب الجديد للولايات المتحدة. 

ذهبت تركيا بالتضامن مع قطر و حركات الاسلام السياسي الى لعب دور الوكيل في سوريا و تركيا فكان تقسيم سوريا بالاتفاق مع السمسار الروسي، الذي سمح لوكلاء الولايات المتحدة بتحقيق اهدافهم في سوريا فاعلنت اسرائيل ضم هضبة الجولان و احتلت تركيا اجزاء من شمال سوريا و خلق دويلة جديدة يحكمها الاسلاميون الحلفاء لها في محاولة لفرض لوزان جديدة على سوريا و السماح بتبلور دولة جديدة للاكراد، في واقع جديد يخدم مصالح الولايات المتحدة و مذهبها الجديد، و يحقق المكافأة للوكلاء.

يعتقد البعض العربي في الخليج ان ما قدمته دولهم من تنازلات وتخليها عن قضاياها الرئيسة و دفعها للمليارات لارضاء الولايات المتحدة و وكلاءها قد يعفيها من تغول المذهب الجديد للولايات المتحدة، اعتقادا لا يعدو كونه سراب لن يعفيها من اطماع الوكلاء الذين استطاعوا فرض واقع جديد في الاقليم و هم يعلمون ان الولايات المتحدة كان من كان رئيسها جمهوريا ام ديموقراطيا لا يستطيع تغيير قواعد لعبة الصراع القادمة مع الصين فالصراع طويل و هم يراهنون على الزمن.  

الولايات المتحدة - افول النجم

كتب عبد السلام ابوندا

كباش شديد يجري بين الولايات المتحدة و الصين، اغلاق متبادل لقنصليات في كلا البلدين، و تبادل للاتهامات بخصوص جائحة كورونا، التي الهبت العالم بسياط الوباء، يصر ترامب على ممارسة عنصرية  و شعارات شعبوية، فهو يشبه الفايروس بهجوم عسكري، يفوق سوءا عن هجوم "بيرل هاربر" و هجمات التاسع عشر من سبتمبر، يرى البعض كل ذلك بانه حرب باردة جديدة، مع اختلاف الاطراف هذه المرة، التنافس في الاقتصاد و التكنولوجيا و العسكري و النفوذ السياسي يشتد يوما بعد يوم بوتيرة غير مسبوقة بعد الطرفين. فايروس كوفيد 19 فضح مفاصل هذا الكباش ، و اظهرعناصر توتر قادم يتطور بسرعة جنونية نحو صراع قد يكون دمويا بين الطرفين،  يجبر كثيرا من دول العالم الى اختيار مع من سيتحتم عليها الوقوف، و على وجه الخصوص الدول الاوربية، اذ ان المصالح ضرورة ملحة.                                                                                                                                                   

المجابهة:                                                                                                                                              

في يناير عام 2020 اشاد ترامب بالرئيس الصيني "تشي جي بينغ" كما مدح الصين لاسلوبها في مواجهة فايروس كورونا، و لكن بمجرد وصول الفايروس الى الاراضي الامريكية لتصبح اولى الدول المتضررة من الوباء، سرعان ما انقلب ترامب على مواقفه، ليبادر الى توجيه الاتهامات للصين كمصدر للفايروس و وصفه ب "الفيروس الصيني"، بل يذهب ابعد من ذلك ليتهمها ايضا بانها عمدت على اخفاء معلومات علمية عن الوباء، لكن الصين اسرعت بالرد عبر حملة لوم متبادل بين البلدين ليصبح الخلاف بينهما خلافا جيوسياسيا  يرتكزعلى نظرية المؤامرة، تجلى ذلك حين صرحت الصين بان الفايروس وصل اليها عبر جنود امريكيين قدموا الى الصين.                                                                                                                                                

 رغم ان العلاقات بين البلدين بدأت بالانتعاش منذ اربعين عاما، الا ان رئيس مركز بحوث الصين و العولمة "وانغ يو هاو" يرى ان الولايات المتحدة ذاهبة الى طلاق مع الصين، في حين ترى خبيرة الشئون الصينية لدى وزارة الدفاع الفرنسية نيادج رولان "ان الوضع خطير و متأزم للغاية". و حيث ان ازمة كورونا تضع الولايات المتحدة تحت الضغط للانفجار نحو الخارج، الشيء الذي يزيد بل قد يقود الى مجابهة قادمة و  ناجمة عن هذا التصعيد، فها هو ترامب يمنع المساعدات عن منظمة الصحة العالمية بل ينسحب منها ! في تصرف يخالف الدور الريادي الذي لعبته اميركا في مكافحة ايبولا على المستوى الدولي، وهنا يظهر السؤال الملح وهو هل ان تصرف الولايات  المتحدة تجاه المنظمة الدولية هو شعور بالعجز و تخلي غير مستشعر منها، عن موضوع عظمة امريكا كقطب وحيد لهذا العالم؟ ليتقدم غيرها و يحل محلها؟ ام انه تصرف ناجم عن غطرسة الشعور بالعظمة الضائعة و الذي لم يعد يراه العالم فيها؟  سؤال قد يحمل الاجابة عنه حديث الالماني عضو البرلمان الاوربي و رئيس لجنة العلاقات مع الصين راينهارد بونيكوفر الذي تضمن "ان امريكا في موضوع كورونا لم تعد تتواجد كزعيم للنظام العالمي و لم توجد منها اي محاولة للقيام بدور قيادي"، في حين ان الصين تذهب الى ذلك، وهذا ما هو الا مؤشر للانفلات على الدور الامريكي القيادي للعالم، بل ان الولايات المتحدة ذهبت و في محاولة منها للتشبث بهذا الدور المفقود عبر اظهار العكس، فذهبت الى خيار التصعيد مع الصين  لتعلن الانفكاك الاقتصادي عنها! بل ان ترامب صرح لقناة فوكس نيوز بانه "يمكن لامريكا قطع العلاقات كلها مع بكين لان ذلك سيقود الى توفير 500 مليار دولار"؟                                                                 

 

بدايات الصراع:                                                                                                                                       

 تولى الزعيم الصيني السابق دينغ القيادة في الصين بعد ماو ليترك بصمته الخاصة به في قيادة الصين نحو التطور و النمو الاقتصادي عبر تبنيه لسياسة تخالف سياسة سلفه، فذهب الى ايجاد موائمة بين اهداف الحزب الشيوعي الصيني و مفهوم التوجه نحو اشتراكية خاصة بالفهم الفكري للصين، واعتمد اسلوبا براجماتيا للانفتاح الاقتصادي نحو الغرب فجعل من الربع الاخير من القرن العشرين قاعدة قتصادية متينة للنمو و الازدهار الاقتصادي بنى عليها خلفه الرئيس الصيني الحالي تشي جي بينغ رؤيته المستقبلية للصين على مستوى الحضور الدولي، بينما انشغل الغرب و على راسه الولايات المتحدة في حروب مختلفة حول العالم جعلت من اقتصادها منهكا و ذاهبا للتدهور البطيء على مدار العقود الاخيرة من القرن العشرين و التي استمرت حتى العقدين الاولين من القرن الحادي والعشرين.                                                                                                                                                 

في ديسمبر عام 2001 انضمت الصين الى اتفاقية التجارة العالمية الحرة وفق شرط لم تتنازل عنه، تمثل في عدم ربط العملة الصينية باي عملة خارجية بما فيها الدولار، وبهذا اصبحت جزءا من منظومة الاقتصاد العالمي الرأسمالي، الشيء الذي انعكس ازدهارا و نموا للاقتصاد الصيني، بينما ذهب الاقتصاد الامريكي بتعثره بعيدا، غارقا في حروب ثقيلة ادت الى ان يقوم بنك "لينين بروذرز"الامريكي عام 2008 على اعلان افلاسه، بينما الصين تحتفل قبل ذلك بثلاث اسابيع فقط  بالالعاب الاولمبية التي استضافتها، و التي كانت بمثابة بهجة صينية للتبشير باعلان الصين قوة اقتصادية عالمية  قادمة ، و غرق الغرب في اكبر عملية كساد مالي منذ الحرب العالمية الثانية، و اذا بالصين تظهر متدخلة كمنقذ وحيد للاقتصاديات الغربية على راسها الاقتصاد الامريكي المترنح، لتقود هذه الاقتصاديات الى عملية تشاف تقودها القوة القادمة من الشرق، و التي قامت على اقراض الولايات المتحدة فقط  بما يزيد عن ترليون دولار و لتصبح اكبر دائنة للولايات المتحدة الامريكية الدولة العظمى التي خدشت في حيائها، لا سيما انها قائدة النظام العالمي، و صاحبة اكبر اقتصاد في العالم، و عملت الصين على ان تجعل من الصناعات الامريكية و الغربية حاملة للجينات الصينية، مثل حال اجهزة الاتصال و المواصلات جميعها.                                                                                                                                                      

الحزام و الطريق:                                                                                                                                      

في عام 2013 تسلم تشي جي بينغ السلطة و استمر في دحرجة الاقتصاد الصيني المتنامي في صلب الاقتصادات الدولية المختلفة، و ذهب بعيدا ليكشر عن نوايا الصين الحقيقية، فأعلن عن خطته المسماة "حزام واحد ،، طريق واحد"، مؤكدا ان الصين ليست قوة طارئة، بل هي قوة عميقة اعتمدت قكريا على الرؤية الاستراتيجية للحزب الشيوعي الصيني منذ ان كان اقتصاد الصين في ثمانينات القرن الماضي يتساوى مع اقتصاد الهند، و لكن هذه الاستراتيجية الفكرية للحزب هي من قاد الاقتصاد الصيني ليتفوق عن نظيره الهندي بخمس اضعاف خلال ثلاث عقود فقط.                                                                                                                                      

في عام 2013 و من الناحية الاخرى استمر التعثر و الغياب الامريكي، و الذي جاء واضحا عبر انقسام الداخل الامريكي على نفسه، فانقسم الامريكيون و تعثر الكونجرس عن تمرير الموازنة الفيدرالية، الشيء الذي ادى الى الاغلاق الحكومي الشامل،  فكان  اشارة واضحة و هامة، الى تهاوي النظام السياسي و الاقتصادي الامريكي،  الناجم عن استقطاب شديد على مدار ثلاثة عقود من الزمن، قامت على الحروب و الازمات المالية، التي غرق فيها الاقتصاد و السياسة الامريكية حول العالم، في حين ذهبت الصين في طريقها خلال تلك العقود للتحضير و التمهيد لخطتها "حزام واحد ،، طريق واحد"  التي اعلنها الرئيس الصيني اثناء زيارته لجاكرتا، في دلالة تذكر العالم بطريق الحرير التاريخي،  خطة يقوم صلبها على تطوير البنية التحتية مع دول اسيا  متجهة نحو الشمال، الى اوروبا و نحو الشرق الاوسط و افريقيا، منفقة  مئات المليارات في سبيلها ، بل انها ذهبت ابعد من ذلك لتكافىء الدول التي شاركت و تشارك في الخطة و كأنها بنك دولي جديد، لكنه نسخة صينية خاصة لا يضع الشروط عند منح تلك المليارات على الدول التي رأت في ذلك تخلصا من شروط الهيمنة والاحتكار الامريكي المتمثلة في  شروط بنك النقد الدولي، وقفزت على ادوات الفكر الرأسمالي المهيمن عبر شروط تطبيق الديمقراطية المرتبطة  بالحق الفردي، العمود الفقري للفكرة الرأسمالية الغربية،  و التي عجزت عن تحقيق العدالة الاجتماعية للشعوب الفقيرة بل أودت الى تجميع رأس المال في ايدي قلة من الناس، و اسقطت بالطبقة الوسطى الى القاع لتغوص في الفقر المدقع فهي التي كانت دائما تدفع ضريبة التغول الرأسمالي بنسخته الامريكية، على عكس براغماتية الاداء الصيني الذي رفع سبل الحياة و الرفاهية لمليارات من البشر الصينيين و غيرهم في المحيط الاسيوي.                                                                                                                                                

في عام 2019 انضمت بعض من دول اوروبا الى المشروع الصيني، فكان انضمام ايطاليا و البرتغال و اليونان، الدول الاعضاء في حزب الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة، اكثر من ذلك ذهبت الصين اثناء جائحة الكورونا الى امداد اغلب دول العالم بما فيها اوروبا بالاحتياجات الطبية، مما اثار حفيظة الولايات المتحدة التي شككت بنوايا الصين لان ذلك ايضا  يجرح موقعها كقطب واحد يقود هذا العالم طبقا لشروطه و طبقا لاهوائه، فهي غير راغبة حتى الان في مشاركة اي قوة اخرى بهذه المكانة، فكيف لو كانت دولة شيوعية.                                                                                                                                                    

 عمدت الصين الى الاستمرار في بناء شبكة علاقتها المسماة مجموعة 17+1 و التي تمتد  من اسيا الى البلقان في العمق الاوربي، وعملت على تعزيز تواجدها في بحر الصين رغم انف الولايات المتحدة معتمدة على قوتها العسكرية المتعاظمة و قوتها السيبرانية و التي لا تفوقها فيها اي دولة في العالم، بينما لجأت امريكا  من موقع الضعيف الى تحريك من يواليها في هونج كونج و مسلمي الايغور، للمواجهة نيابة عنها، دون ان تعلم ان ذلك التقليد الامريكي لا يستطيع النجاح مع دولة بقوة الصين.                                                                                                                                                 

استمر الاقتصادي الصيني متجها نحو مواجهة عقبات الجائحة العالمية ل كوفيد19، الا انه سرعان ما تعافى من الاثار السلبية لاقتصادية لهذا الوباء العالمي، و كانت حصته بالتعثر الناجم اقل من دول الغرب المتخبطة في كيفية معالجة الاثار التي اصابتها، ووقعت في الركود، و فقدت ملايين الوظائف التي تزيد من فترة التعثر للوصول بها الى التشافي الاقتصادي، في حين ان التعافي الصيني جاء ليعطيها مرتبة ريادية دولية، تزيد من حجم الفارق بين اقتصادها و باقي اقتصاديات العالم الاخرى و ليدفعها بقوة الى الامام، الشيء الذي جعل وزير الخارجية الامريكي لينادي بالمواجهة الكلية مع هذا النمر الاقتصادي القادم من الشرق.                                                                                                                                                

في عام 2018 استمرت الصين في تطوير ميناء "جوادار" الباكستاني العملاق، الذي يفتح لخطتها "حزام واحد ،، طريق واحد" هذا الميناء الذي ينفتح بحريا على بحر العرب، ليكون بعبعا اقتصاديا صينيا ينازع احتكار المصالح الامريكية في الجزيرة العربية و الشرق الاوسط، الشيء الذي يقود الولايات المتحدة الى عدم قبول هذا الاقتحام الصيني السافر على خطوط مصالحها الحمراء، وجب التعامل معه عسكريا، لكن ادراك الصين لخطورة ما اقدمت عليه، قامت بالتعاقد مع الجيش الباكستاني الحليف للولايات المتحدة ليعمد على تنفيذ الحماية لشركاتها العاملة على تنفيذ هذا الميناء، فاصطاد الصياد الصيني عصفورين بحجر واحد، مؤكدة ان حلفاء الولايات المتحدة كالجيش الباكستاني يعلن التمرد عليها، بل يقوم على حماية الميناء المملوك للصين، و اكثر من ذلك قامت الصين بنشر قواعد عسكرية بحرية في اي مكان تسنى لها ذلك، مما يزيد التوتر العسكري بينها وبين الولايات المتحدة، التي لن تقبل بان يكون افولها كقوة عظمى وحيدة للعالم يمر بسلام.                                                                                                                             

التمرد:                                                                                                                                                 

  الدول النامية و الدول الاوربية، يصبح عليها اعادة ترتيب اولوياتها طبقا لمصالحها الذاتية، المانيا وحدها تصدر الى الصين سنويا اكثر مما تصدره لكل الدول الاوربية مجتعة، و تشديد لهجة الاتحاد الاوربي تجاه الصين، يأتي فقط في اطار ارضاء الولايات المتحدة شكليا، بينما لا يذهب الى حظر شركة هاواوي و 5 جي، و استدراكا لذلك ذهبت الصين الى تنمية علاقاتها مع اوروبا وهي على دراية كاملة بان الانفكاك الاقتصادي الاوربي عن الاقتصاد الصين هو من الامور المستحيلة، بسبب تناحر الدول الاوربية فيما بينها و صعوبة اتخاذ قرار اوروبي موحد بشأن الانفكاك ان ذهبت اليه بعض من الدول الاوربية ، دون ان تنسى ايضا؟ الرأي العام الاوروبي الذي يصب في المصلحة الصينية والذي يحمل في احشائه انقسام بين من يريد علاقة اوثق مع الولايات المتحدة، و أؤلئك الذين يريدون علاقة مع الصين لدرجة التساوي، رأي عام، يرفض ان يكون الاوربيون مجرد ارقام من الاغنام تجري ضمن قطعان اغنام الولايات المتحدة، فهي شعوب تعمل على تطوير القانون الدولي و احترامه و هذا ما لا تريده الولايات المتحدة التي تحتكر هذا القانون للحصول على اكبر المكاسب الممكنة، لهذا فهذه الدول تكون داعمة بشكل مباشر و غير مباشر للصين، على خلاف طموحات  الولايات المتحدة.                                                                                                                                                  

   الافول:                                                                                                                                                                   

ما يظهره اداء الطرفين الان يقود الى تشابه مع مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية في ذروة التوتر الدولي مع اختلاف اللاعبين، باستثناء ان اقتصاد الغرب، و على رأسه اقتصاد الولايات المتحدة، يتشابك الى حد التزاوج مع الاقتصاد الصيني، بما يجعل من اي صراع قادم يختلف اختلافا كليا عن اي حروب و صراعات سابقة في التاريخ البشري، و يجعل من دعوة الولايات المتحدة الى الانفكاك عن الاقتصاد الصيني دعوة انتحارية، فالصين تشكل السوق الثانية امام الشركات الامريكية العملاقة بعد اسواق امريكا نفسها، و يصعب عليها استبدال هذا السوق، في حين ان الصين قادرة عن الاستغناء عن السلع الامريكية. هناك من يرى ان ذلك يؤسس لحرب باردة بين البلدين، رؤية تجافي واقع الحال امام استمرار الرئيس الامريكي في الدعوة الى انفصال الاقتصادين، و في الدعوة الى محاربة شركة "هاواوي" العملاق الصيني المتربع على عرش اسواق الاتصالات الدولية، و صاحبة تكنولوجيا ال 5 جي، و التي جعلت من الصين الرائد الدولي في  تكنولوجيا الاتصال، و استمرار انكفاء الاقتصاد الامريكي الى داخل الولايات الخمسين المتحدة، خطوة لا تأخذ بالحسبان الاثار الاقتصادية المتفاوتة على هذه الولايات و تضارب مصالحها الداخلية، بما قد يرتب تفككا مستقبليا لا يختلف كثيرا عن مصير بلدان الاتحاد السوفيتي السابق.                                                                                                                             

 


ضياع الوعي و اليسار الفلسطيني

كتب عبد السلام ابوندى
16/04/2019

طالما كان الوعي السياسي لدى مجمل شرائح المجتمع الفلسطيني عامة نتاجا لوعي ذاتي و موضوعي، ممنبثقا و مرتبطا بالمحيط السياسي الاقليمي و الدولي، و في حين كان يجب لهذا الوعي ان يرتبط بالوعي الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني و يشكل جزءا منه، الّا ان الطليعة الفلسطينيسة غيبت هذه الحقيقة الواجبة فانتجت وعيا اجتماعيا مشوها لدى مجمل شرائح المجتمع الفلسطيني، لدرجة ان باتت غائبة عن التأثير في مجتمعها بشكل ايجابي، لدرجة اضحت هي ذاتها عبئا على نفسها و محيطها المجتمعي، لدرجة فقدانها لنفسها و مجتمعها.
منذ السنوات الاولى لخمسينات القرن الماضي، تغاضت الطليعة الفلسطينية عن ما يمس احتياجات شعبها الحياتية، و المجتمعية، و سخّرت كل طاقاتها لتخدم الوعي السياسي لديه، فكانت النتيجة ان قدّمت الجزء على الكل، ولم تدرك انها بذلك ترتكب خطأ، سيكلفها الكثير في مستقبها السياسي و بما يهدد قدرتها على الاتصال بشرائح مجتمعها، بل و بما يقود شرائح المجتمع الى رفضها و لفظها، لتصبح جسما غريبا، يودي الى عدم اعتراف الاجيال اللاحقة بها و بتاريخها.
نجح مؤسسي الثورة الفلسطينية بمختلف مشاربهم الثقافية على استقطاب شباب جيل الستينات، الذي التف حول أؤلئك المؤسسين، ليعطيهم قوة دفع تمثلت بشرعية وجودهم، هذه القوة التي لم تترك اي مجال امام القيادات العربية، و قوى الاقليم، للافلات من الاعتراف بأؤلئك المؤسسين كطليعة سياسية قائدة للكفاح الفلسطيني، و الذي تجسد في الثورة الفلسطينية، كاحد اهم اللاعبين السياسيين على المستوى المحلي، بل تعدّاه الى المستوى الاقليمي و الدولي، لدرجة سمحت لمنظمة التحرير الفلسطينية، بان تصل الى قيادة حركات التحرر العالمي، الشيء الذي منحها اوراقا سياسية زادت لديها من قوة الدفع التي امتلكتها، هذه القوة التي اصبحت عبئا ثقيلاعليها عندما تغيرت الظروف الموضوعية المحيطة، اقليميا و دوليا، فرأت ان تلك الحركات التحررية قد بدأت بتحقيق اهدافها، في حين بقيت هي دون تحقيق للهدف الرئيس الذي قامت من اجله و هو تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة.
شهدت حقبة الاربعينات، والخمسينات، و الستينات العربية من القرن الماضي، انتشار ايديولوجيات سياسية متناحرة، ايديولوجيات ارتبطت بها الطليعة الفلسطينية ارتباطا عضويا، نتيجة لظروف سياسية سادت العالم في حينه، حيث أوجّ قوة الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى، تناطح الولايات المتحدة على قيادة العالم، وفي حين تمثلت هذه الايديولوجيات بثلاث كان اولها: الدينية السياسية والتي جسدها فكر الاخوان المسلمين، و الماركسية حيث تمثلت بالاحزاب الشيوعية العربية، و القومية العربية التي مثلها جمال عبد الناصر و الاحزاب القومية الاخرى كحزب البعث، دون ان تلاحظ الطليعة الفلسطينية، ان الفكرة السياسية الدينية و الفكرة القومية، قد تمت هزيمتهما على المستوى الانساني، و ان التعلق بهما ما هو الّا خطيئة اخرى ترتكبها الثقافة السياسية الفلسطينية، تضاف الى خطأها الاول عندما قدمت الوعي السياسي، على حساب مجمل الوعي الاجتماعي، فالفكرة السياسية الدينية قد اكتملت هزيمتها بهزيمة الكنيسة في اوروبا، و الفكرة القومية قد تمت هزيمتها ايضا بهزيمة هتلر زعيم القومية الالمانية، و بالتالي يصبح من الصعوبة بمكان، ان تسمح ديمقراطيات العالم بقيام هاتين الفكرتين من سبات موتهما التاريخي و الذي تصرّ ان تجعل منه موتا ابديا، كما لحقت بهما الفكرة الماركسية، بمجرد استسلام الاتحاد السوفيتي و تفككه امام الولايات المتحدة و حلفائها، و بهذا تجسّد "ضياع الوعي" للسواد الاعظم لكل ورثة الايديولوجيات الثلاث من الفصائل الفلسطينية التي كونت منظمة التحرير، باستثناء حركة التحرير الوظني الفلسطيني "فتح" و التي قادها الاحل ياسر عرفات و اخوانه الذين قدّموا الفكرة الوطنية على اي من الايديولوجيات الثلاث السابقة.
طالما تبنت الفصائل الفلسطينية تحريض الشعب الفلسطيني في الضفة و غزة، بالامتناع عن دفع الضرائب الى دولة الاحتلال الاسرائيلي، و ذهبت الدعوة الى ابعد من ذلك عبر تكريس الفصل الكامل ما بين الوعي الاجتماعي الفلسطيني و الوعي الاجتماعي الاسرائيلي، استمع الشعب لدعوة التحريض فكان اسلوبا حياتيا اعتمده الشعب الفلسطيني في الاراضي المحتلة لعام 67، و الذي تلخص بعدم التزام الشعب الفلسطيني بالسلطة الادارية للاحتلال، كونها تجسد اداة ادارية محتلة، و دون ان تاخذ الفصائل الفلسطينية الاثار التي قد تترتب على ذلك مستقبلا، ليصبح نهجا اصرّ الشعب الفلسطيني على تطبيقه تجاه السلطة الفلسطينية التي نشأت نتيجة لاتفاق اوسلو، و لم يفرق الشعب الفلسطيني في الضفة و غزة حينها بين سلطة احتلالية و سلطة وطنية لديها التزاماتها.
بعد عام 1994 استمرت الفصائل و الاتجاهات الفكرية السياسية الفلسطينية و بالذات تلك التي اعتمدت في منهجها الفكر الماركسي كالحزب الشيوعي الفلسطيني (حزب الشعب) او الماركسي القومي (الجبهة الشعبية و الجبهة الديمقراطية .... الخ)، استمرت في اعتماد نفس المنهج، دون الاخذ بعين الاعتبار التغيرات الذاتية و الموضوعية التي نشأت نتيجة عودة هذه الفصائل الى غزة و الضفة و لم تدرك ان الوعي الاجتماعي بكل مكوناته سيكون هو معيار الارتباط القادم بينها و بين مجتمعها الفلسطيني، فكانت النتيجة "ضياعا للوعي" لانها فقدت الدعامة الفكرية القوية المقنعة للجماهير، فالعقيدة الفكرية التي نالت هزيمة لم تعد وعيا فكريا صالحا، بل اصبحت وعيا مشوها و زائفا، يعتمد الوهم و التراث، لكن فصائل و حركات اليسار الفلسطيني ناهيك عن الحركات الاسلامية، رأت استمرارها في اعتماد عقائد و ايديولوجيات تراثية ، و اصبح جلّ اهتمامها المحافظة على وجودها مهما كانت النتائج، و بأي اسلوب كان، لذلك ذهب اليسار الفلسطيني بعد عام 2000 ليسير على حبال السيرك، و سجل سقوطا مدويا في حضن الاسلام السياسي، ليرضي بذلك الولايات المتحدة، العدو السابق، فكانت المكافأة، اموال المؤسسات و المنظمات الغير حكومية الفلسطينية! شأنهم بذلك شأن الاحزاب المثيلة لهم في الدول العربية اثناء ماسمي بالربيع العربي.
مما زاد الطين بله اصرار الاسلام السياسي الفلسطيني الذي مثلته حركة حماس، الى اعتماد منهجا خبيثا عندما اعتمد "المكبوت الديني" كأداة يستطيع من خلالها الايحاء بان عقيدته السياسية ما زالت عقيدة و وعيا حيا، لدرجة اودت بترويج المزاعم الضارة وطنيا، و عملت على نشر الاكاذيب و ترويجها لدرجة راقت لبعض من اليسار الفلسطيني كالجبهة الشعبية على سبيل المثال لا الحصر، هذا اليسار الذي روج ايضا وعيا و ثقافة زائفة اعتمدت ايضا مكبوت "الوحدة العربية"، الشيء الذي ساعد في ان يصبح المجتمع الفلسطيني شرائح متناحرة، متشككة، متحاربة على المصلحة الخاصة، مما افسد روح المبادرة و ضعف المحصول الانتاجي من العمل للشعب الفلسطيني بشكل عام و سكان غزة و الضفة بشكل خاص. جرى كل ذلك اثناء ترنح اصحاب الفكر و العقيدة الوطنية التي قادها الراحل ياسر عرفات الذي جسد عمق الوعي الوطني الجمعي، امام ضربات العدو الاسرائيلي و الاقليمي و الدولي العدو الذي رأى وجوب التخلص منه، و بذلك نال ما اراد بمشاركة غير مدركة من اليسار الفلسطيني و مشاركة مدركة من الاسلام السياسي الفلسطيني و الذي طالما سعى لان يكون البديل للوعي الوطني و مروجيه.
استمرت الصراعات و احتدمت في شتى الدول العربية نتيجة لحراكات التغيير التي اطلق عليها "الربيع العربي" باستثناء البعض منها، مما قاد الى صياغات تحالفية معقدة و مشوهة بين العقائد الفكرية المختفة، دون ان يدرك اليسار الفلسطيني طبيعة مقومات الوعي السياسي الواجب اعتمادها لتجديد نفسه، و ليعطيه دورا في صياغة الوعي المجتمعي الفلسطيني القادم، و الذي اصبح واجب الصياغة، بعد اندحار الوعي السياسي االذي ارتكز الى ايديولوجيات سياسية تراثية (الاسلام السياسي و القومية العربية و الماركسية الشيوعية) و تقدم لوعي سياسي جديد قادر على المشاركة في صياغة وعي مجتمعي صحي و غير مشوه، و من هنا وجب مراجعة الذات عبر استخلاص للعبر و تحديث مكونات الايديولوجيات الداعمة للفكر السياسي الفلسطيني و استحضار مفاهيم حية من ايديولوجيات انسانية متفاعلة بين الداعين لها و بين مجتمعاتها، لا سيما ان جيل عام 2000 وما بعده من اجيال، لم يرى تاريخ هذه الفصائل اليسارية المشرق، في صياغة تشكيل الوعي السياسي الفلسطيني، بل رأى عكس ذلك نتيجة الوقوع في شباك حماس و اكاذيبها كممثل للاسلام السياسي و الاخوان المسلمين الذين ترنحوا مؤخرا في مصر، و السودان، و بعض الدول العربية امام المنادين بالوعي السياسي القومي الديموقراطي و الوعي السياسي للفكر الوطني الليبرالي، و الاشتراكية الاجتماعية الديموقراطية، اذ لا تنازل عن العدالة الاجتماعية، و الحرية الفردية، و الديمقراطية، و تبادل السلطة، فالوعي السياسي ما هو الّا جزء من مجمل الوعي الاجتماعي.

كيف بدأت صفقة القرن و متى؟







الذهاب لفهم ما يجري من تطورات في القضية الفلسطينية حتى الفترة الرئاسية لترامب يصبح من الخطأ بمكان ان لا يتم البدء بدراسة اسم الصفقة وتحديد دقّته؟ دأب اعلام اسرائيل و اعلام بعض من حلفائها في منطقة الشرق الاوسط (قطر/ تركيا تحديدا) على تسويق اسم صفقة جديدة في الاقليم، اطلق عليها اسم "صفقة القرن"؟ لتحقيق بعض من الاهداف التي ارادها مروجي هذا الاسم؟ اهم هذه الاهداف هو تسويق الاستراتيجية الاسرائيلية للحل النهائي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بشكل غير مباشر، الى جانب ايقاع بعض من الساسة العرب في حبال شبكة الاداء الاسرائيلي دون ان ادراكهم بان الخطة "الصفقة" هي من صياغة اسرائيلية، و اعطاء الانطباع بانها ارادة امريكية خالصة وجب تنفيذها دون تردد.  كما كان احد اهم اهداف هذا الاعلام هو الاستفادة القصوى من ناشطي اعلام التواصل الاجتماعي، الناقمين على القيادات السياسية في الوطن العربي، لا سيما اثارة النقمة على الزعامات العربية لكل من السعودية، و دول الخليج، ومصر، و منظمة التحرير، والاردن، وهي الجهات التي ستكون عائقا بكل تاكيد، امام تحقيق الاستراتيجية الاسرائيلية فيما يخص الصراع الافلسطيني الاسرائيلي، لتمسكها بالمبادرة العربية لتكون اساسا للحل، و التي لا مجال امامها للقفز عن الحق الفلسطيني متمثلا بحل الدولتين على حدود عام 1967 طبقا للقرارات الدولية اللاحقة.                                                                                                                                        
جاء نتنياهو لتولي رئاسة الوزراء الاسرائيلية عام 1996 عندما تولى الحكومة الاسرائيلية للمرة الأولى، وكان قد وضع نصب عينيه تحقيق اسرائيل كدولة عظمى، مما اثار حفيظة بيل كلينتون الرئيس الامريكي حينها و الذي رفض هذه الرؤية مما تسبب بخروج نتنياهو من المنصب عام 1999، ولقد وصف كلينتون نتنياهو بانه الرجل الذي لا يمكن له ان يكون رجل سلام حيث قال: "نتنياهو ليس الرجل الذي يمكنه التوصل إلى السلام وإذا لم نجبره على القيام بذلك فإنه لن يفعلها أبداً". وغضب كلينتون الذي ذكره ديفد ميلر مساعد دينس روس الذي ذكره في مذكراته عن علاقة بيل – نتنياهو :" ما الذي يظنه بنفسه؟ من هي الدولة العظمى هنا بحق السماء؟".                                                                                       
اتاح وجود نتنياهو في الدوائر المغلقة للعلاقات الاسرائيلية الامريكية، القدرة للاطلاع على نقاط القوة و نقاط الضعف في المؤسسة السياسية الامريكية، والتي استمرت الى اكثر من 15 عاما كان اهمها فترة عمله في عضوية الوفد الإسرائيلي الأول للمحادثات الإسترتايجية الأمريكية الإسرائيلية، مما سمح له انشاء علاقات وطيدة و انشاء دوائر داعمة وضاغطة لصالح اي استراتيجية اسرائيلية يمكن تنفيذها،  وتحديد اوقات تنفيذها و استغلال الاوقات المناسبة للتنفيذ.                     
اتضحت رؤية نتنياهو لالية حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بوضوح في كتابه "مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم" و الذي اوضح به عن طموحه بان تصل اسرائيل لتكون دولة عظمى، صاحبة قرار دولي مستقل عن الولايات المتحدة، يواكب ذلك انهاء حق العودة، واستمرار الاستيطان، ضم الضفة الغربية كجزء لا يتجزأ من اسرائيل، و تحقيق يهودية الدولة الاسرائيلية، و السماح بدولة بشروط في غزة باقل عدد من السكان تمتلك ميناءها و منافذها، وهذا ما عمل عليه نتنياهو طوال فترة عمله في قيادة الليكود بالاشتراك مع اليمين الاسرائيلي المتطرف، وهي بالضبط الاستراتيجية الاسرائيلية التي اطلق عليها عند تولي ترامب "صفقة القرن ؟ لتصبح قميص عثمان الذي البسه نتنياهو لترامب و الذي اقسم الاخير الّا يخلعه؟ و هكذا عمل نتنياهو ومريديه وحلفاءه على تحقيق الكثير من الاليات التي تقود لهذا الهدف الصهيوني ، كان اهمها الخلاص من اتفاق اوسلو و الذي كان يعلم بانه لايمكنه تحقيق ذلك الا بتحقيق الخلاص من عرابي هذا الاتفاق بالذات رابين و ياسر عرفات الشيء الذي حققه بالفعل عبر مساهماته بتحقيق اغتيال رابين عام 96 و تصفية ياسر عرفات عام 2004.
اما الخطوة الثانية في تحقيق الاستراتيجية السياسية لنتنياهو فلقد كانت تتمثل في تحقيق فصل الضفة الغربية عن غزة، خطوة استوجبت التحضير لها، وكان حينها نتنياهو يشغل منصب وزير الخارجية لدى حكومة ارئيل شارون اعتبارًا من تشرين الثاني نوفمبر 2002 وحتّى شباط فبراير 2003 حين عُيّن وزيرًا للمالية حتى آب اغسطس 2005، حيث كان عرابا ومشاركا رئيسا  في صياغة خطة فك الارتباط من جانب واحد (والتي لم تكن في حسابات شارون ولم يذكرها في برنامجه الانتخابي بل جاءت بعد ان اقنعه بها نتنياهو) والتي ادت الى انسحاب اسرائيل من قطاع غزة دون اي تنسيق مع الطرف الفلسطيني لتوفير المناخ الملائم لاثارة الفوضى في قطاع غزة واحراج السلطة الفلسطينية مع حماس و التي رأت اسرائيل بان قيامها باداء دورها الذي خلقت من اجله قد حان، لتأجيج الصراع مع حركة فتح ومنظمة التحرير، من اجل الخلاص نهائيا من الجسم السياسي الفلسطيني الذي شارك بالتوقيع على اتفاقية اوسلو، ولذلك ابدت اسرائيل اثر خطوة فك الارتباط ليونة غير مسبوقة بقبول مشاركة حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، بل ذهبت ابعد من ذلك عبر اشراك امريكا بالضغط على منظمة التحري للمشاركة بالانتخابات رغم عدم اعترافها باتفاقيات منظمة التحرير الموقعة ومنها اوسلو التي لم تعد تعني اسرائيل او تلزمها بل تريد الخلاص منها بكل السبل و الادوات، ولقد كان لها ما ارادت وتم تحقيق سيطرة حماس السياسية على السلطة الفلسطينية عبر نتائج الانتخابات التي شاركت امريكا واسرائيل بالوصول اليها حين انفقت مئات الملايين من الدولارات لشيطنة ياسر عرفات (قبل اغتياله) و الاساءة لفتح ومؤسسات السلطة قاطبة مستعينة بمؤسسات المجتمع المدني الاجنبية والفلسطينية، التي كانت تنال موازناتها المالية من مؤسسات امريكية.
كان على حماس بمساعدة بعض العرب وغيرهم من اللاعبين الى جانب اسرائيل في الخفاء مثل قطر وتركيا الاستمرار في تصعيد الصراع بين حماس و منظمة التحرير لاكمال خطة الخلاص من منظمة التحرير كمؤسسة وطنية و ذات مشروع وطني لا يجعل منها باي حال من الاحوال ان تقبل بالتنازل عن الدولة الفلسطينية على حدود عام 67 و على ان تكون عاصمتها القدس الشرقية، من اجل ذلك كان على حماس ان تقوم بانقلابها عام 2006 كخطوة هامة في تحقيق فصل غزة عن الضفة الغربية بما يخدم الخطة التي يسعى الى تحقيقها نتنياهو، وشارك حماس في تنفيذ هذه الخطة الاعلام القطري و حركة الاخوان المسلمين بالاضافة الى غباء قيادات السلطة الفلسطينية بعدم ادراكهم لحقيقة الخطة الاسرائيلية عنهم وانشغالهم بتفاصيل اللعب باكذوبة المفاوضات التي لم تكن ذي جدوى مع ايهود اولمرت كرئيس للوزراء في حين ان نتنياهو كان يعلم بانه لن يتركه ليتوصل الى اي اتفاقيات مع الطرف الفلسطيني المغرر به.

جاءت فترة الرئاسة الامريكية بالرئيس اوباما والتي اراد نتنياهو منها ان يحقق اقصى ما يمكن تحقيقه، وتمثل ذلك في انتزاع اعتراف غير مسبوق من من اوباما بيهودية الدولة الاسرائيلية وهو ما تحقق بكلمة اوباما امام الامم المتحدة في سبتمبر عام 2012، بالاضافة الى ما اوصى به "دينس روس" الصديق الصدوق لنتنياهو بانتهاء قدرة الرئيس الفلسطيني على ان يكون شريكا في اي عملية سلام وبهذا تحقق لنتنياهو ما كان يصبو اليه، التصفية السياسية للرئيس الفلسطيني و بالتالي الانتها مرة وللابد من منظمة التحرير الفلسطينية و حركة فتح التي قادت المنظمة بمشروعها الوطني المحدد، والذي لم تساوم عليه رغم مناوراتها السياسية من اجل الوصول اليه منذ تاسيسها. هذه الخطوة جاري العمل عليها من قبل اسرائيل و بشكل مستميت لاكمالها عبر تفكيك حركة فتح ذاتها، و زرع عدم الثقة بين الشعب الفلسطيني و قيادة منظمة التحرير؟ الشيء الذي لا يدركه الشعب ولا القيادة الفلسطينية بكل اطيافها!
 بقراءة تسلسل الاحداث التي وضعها نتنياهو وقام على انجاز الكثير منها، تتضح جليا كل معالم الصفقة التي وضعها نتنياهو واستراتيجيوه منذ زمن مبكر، سبق التوقيع على اتفاق اوسلو، و يمكن تلخيص الصفقة بناء على ما تم تنفيذه منها الى:
·      الخلاص من اوسلو و المشاركين على توقيعها الاساسيين فلسطينيين كانو او اسرائيلين.
·      الخلاص من تبعيات اوسلو الملزمة لاسرائيل.
·        تنفيذ السلام القائم على مبدأ تحسين الوضع الاقتصادي و الغاء اي حل قائم على مبدأ الارض مقابل السلام
·      فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية سياسيا و منع قيام اي تواصل جغرافي.
·      تحقيق يهودية الكيان الصهيوني.
·      القدس الموحدة عاصمة دولة اسرائيل.
·      ضم الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني.
·      اعطاء دورا لحماس و من يدور في فلكها بتحقيق دويلة محددة القدرات في غزة.
·      انهاء حق العودة عبر الغاء المؤسسات الدولية التي يمكن ان تبقيه حيا (الاونروا)، واعطاء الفرصة للهجرة الطوعية و الهجرة القسرية اذا ما توجب ذلك.
وبالنظر الى الخطوات السابقة يلاحظ ان نتنياهو قد استطاع تحقيق السواد الاعظم من الخطة، وكان من الذكاء بمكان عندما قرأ شخصية ترامب قبل ان يصل الى البيت الابيض وقام على احاطته بمجموعة من المساعدين و المستشارين (منهم ابنته و زوجها الصهيوني التوجه والعقيدة) ليقوموا على تنفيذ الخطوة النهائية من الخطة النتنياهيية باسم الولايات المتحدة، خاصة ان نتنياهو نفسه كان شريكا في التحضير للواقع العربي الحالي و الذي ادى الى تدمير ثلاث جيوش عربية من خلال الحراكات الممنهجة في الوطن العربي باسم "الربيع العربي"، ولن يكن هناك ادنى غرابة اذا ما تذكرنا بان نتنياهو كان مديرًا لمعهد يوناتان وهو مؤسسة لبحث سبل مكافحة الإرهاب عام 1976.
قام ترامب بمساعدة صهره كوشنير بتنفيذ نقل السفارة الامريكية الى القدس على اساس معلن وهو ان القدس موحدة هي عاصمة اسرائيل، و اوكل لكوشنير و قريقه بصياغة اليات تنفيذ الخطوات الاخيرة لتنفيذ ماعجز نتنياهو عن اكماله في بنود خطته السابقة بكاملها في محاولة منه لانهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني و بما يفتح المجال لاحقا الى تنفيذ التطبيع الاقتصادي العربي الاسرائيلي و بما يضمن تحقيق كامل السيطرة الاقتصادية على منطقة الشرق الاوسط على اعتبار ان اسرائيل هي الدولة العظمى على رأس الاقليم.

كيف بدأت صفقة القرن و متى؟




الذهاب لفهم ما يجري من تطورات في القضية الفلسطينية حتى الفترة الرئاسية لترامب يصبح من الخطأ بمكان ان لا يتم البدء بدراسة اسم الصفقة وتحديد دقّته؟ دأب اعلام اسرائيل و اعلام بعض من حلفائها في منطقة الشرق الاوسط (قطر/ تركيا تحديدا) على تسويق اسم صفقة جديدة في الاقليم، اطلق عليها اسم "صفقة القرن"؟ لتحقيق بعض من الاهداف التي ارادها مروجي هذا الاسم؟ اهم هذه الاهداف هو تسويق الاستراتيجية الاسرائيلية للحل النهائي للصراع الفلسطيني الاسرائيلي بشكل غير مباشر، الى جانب ايقاع بعض من الساسة العرب في حبال شبكة الاداء الاسرائيلي دون ان ادراكهم بان الخطة "الصفقة" هي من صياغة اسرائيلية، و اعطاء الانطباع بانها ارادة امريكية خالصة وجب تنفيذها دون تردد.  كما كان احد اهم اهداف هذا الاعلام هو الاستفادة القصوى من ناشطي اعلام التواصل الاجتماعي، الناقمين على القيادات السياسية في الوطن العربي، لا سيما اثارة النقمة على الزعامات العربية لكل من السعودية، و دول الخليج، ومصر، و منظمة التحرير، والاردن، وهي الجهات التي ستكون عائقا بكل تاكيد، امام تحقيق الاستراتيجية الاسرائيلية فيما يخص الصراع الافلسطيني الاسرائيلي، لتمسكها بالمبادرة العربية لتكون اساسا للحل، و التي لا مجال امامها للقفز عن الحق الفلسطيني متمثلا بحل الدولتين على حدود عام 1967 طبقا للقرارات الدولية اللاحقة.                                                                                                                                        
جاء نتنياهو لتولي رئاسة الوزراء الاسرائيلية عام 1996 عندما تولى الحكومة الاسرائيلية للمرة الأولى، وكان قد وضع نصب عينيه تحقيق اسرائيل كدولة عظمى، مما اثار حفيظة بيل كلينتون الرئيس الامريكي حينها و الذي رفض هذه الرؤية مما تسبب بخروج نتنياهو من المنصب عام 1999، ولقد وصف كلينتون نتنياهو بانه الرجل الذي لا يمكن له ان يكون رجل سلام حيث قال: "نتنياهو ليس الرجل الذي يمكنه التوصل إلى السلام وإذا لم نجبره على القيام بذلك فإنه لن يفعلها أبداً". وغضب كلينتون الذي ذكره ديفد ميلر مساعد دينس روس الذي ذكره في مذكراته عن علاقة بيل – نتنياهو :" ما الذي يظنه بنفسه؟ من هي الدولة العظمى هنا بحق السماء؟".                                                                                       
اتاح وجود نتنياهو في الدوائر المغلقة للعلاقات الاسرائيلية الامريكية، القدرة للاطلاع على نقاط القوة و نقاط الضعف في المؤسسة السياسية الامريكية، والتي استمرت الى اكثر من 15 عاما كان اهمها فترة عمله في عضوية الوفد الإسرائيلي الأول للمحادثات الإسترتايجية الأمريكية الإسرائيلية، مما سمح له انشاء علاقات وطيدة و انشاء دوائر داعمة وضاغطة لصالح اي استراتيجية اسرائيلية يمكن تنفيذها،  وتحديد اوقات تنفيذها و استغلال الاوقات المناسبة للتنفيذ.                     
اتضحت رؤية نتنياهو لالية حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني بوضوح في كتابه "مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم" و الذي اوضح به عن طموحه بان تصل اسرائيل لتكون دولة عظمى، صاحبة قرار دولي مستقل عن الولايات المتحدة، يواكب ذلك انهاء حق العودة، واستمرار الاستيطان، ضم الضفة الغربية كجزء لا يتجزأ من اسرائيل، و تحقيق يهودية الدولة الاسرائيلية، و السماح بدولة بشروط في غزة باقل عدد من السكان تمتلك ميناءها و منافذها، وهذا ما عمل عليه نتنياهو طوال فترة عمله في قيادة الليكود بالاشتراك مع اليمين الاسرائيلي المتطرف، وهي بالضبط الاستراتيجية الاسرائيلية التي اطلق عليها عند تولي ترامب "صفقة القرن ؟ لتصبح قميص عثمان الذي البسه نتنياهو لترامب و الذي اقسم الاخير الّا يخلعه؟ و هكذا عمل نتنياهو ومريديه وحلفاءه على تحقيق الكثير من الاليات التي تقود لهذا الهدف الصهيوني ، كان اهمها الخلاص من اتفاق اوسلو و الذي كان يعلم بانه لايمكنه تحقيق ذلك الا بتحقيق الخلاص من عرابي هذا الاتفاق بالذات رابين و ياسر عرفات الشيء الذي حققه بالفعل عبر مساهماته بتحقيق اغتيال رابين عام 96 و تصفية ياسر عرفات عام 2004.
اما الخطوة الثانية في تحقيق الاستراتيجية السياسية لنتنياهو فلقد كانت تتمثل في تحقيق فصل الضفة الغربية عن غزة، خطوة استوجبت التحضير لها، وكان حينها نتنياهو يشغل منصب وزير الخارجية لدى حكومة ارئيل شارون اعتبارًا من تشرين الثاني نوفمبر 2002 وحتّى شباط فبراير 2003 حين عُيّن وزيرًا للمالية حتى آب اغسطس 2005، حيث كان عرابا ومشاركا رئيسا  في صياغة خطة فك الارتباط من جانب واحد (والتي لم تكن في حسابات شارون ولم يذكرها في برنامجه الانتخابي بل جاءت بعد ان اقنعه بها نتنياهو) والتي ادت الى انسحاب اسرائيل من قطاع غزة دون اي تنسيق مع الطرف الفلسطيني لتوفير المناخ الملائم لاثارة الفوضى في قطاع غزة واحراج السلطة الفلسطينية مع حماس و التي رأت اسرائيل بان قيامها باداء دورها الذي خلقت من اجله قد حان، لتأجيج الصراع مع حركة فتح ومنظمة التحرير، من اجل الخلاص نهائيا من الجسم السياسي الفلسطيني الذي شارك بالتوقيع على اتفاقية اوسلو، ولذلك ابدت اسرائيل اثر خطوة فك الارتباط ليونة غير مسبوقة بقبول مشاركة حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، بل ذهبت ابعد من ذلك عبر اشراك امريكا بالضغط على منظمة التحري للمشاركة بالانتخابات رغم عدم اعترافها باتفاقيات منظمة التحرير الموقعة ومنها اوسلو التي لم تعد تعني اسرائيل او تلزمها بل تريد الخلاص منها بكل السبل و الادوات، ولقد كان لها ما ارادت وتم تحقيق سيطرة حماس السياسية على السلطة الفلسطينية عبر نتائج الانتخابات التي شاركت امريكا واسرائيل بالوصول اليها حين انفقت مئات الملايين من الدولارات لشيطنة ياسر عرفات (قبل اغتياله) و الاساءة لفتح ومؤسسات السلطة قاطبة مستعينة بمؤسسات المجتمع المدني الاجنبية والفلسطينية، التي كانت تنال موازناتها المالية من مؤسسات امريكية.
كان على حماس بمساعدة بعض العرب وغيرهم من اللاعبين الى جانب اسرائيل في الخفاء مثل قطر وتركيا الاستمرار في تصعيد الصراع بين حماس و منظمة التحرير لاكمال خطة الخلاص من منظمة التحرير كمؤسسة وطنية و ذات مشروع وطني لا يجعل منها باي حال من الاحوال ان تقبل بالتنازل عن الدولة الفلسطينية على حدود عام 67 و على ان تكون عاصمتها القدس الشرقية، من اجل ذلك كان على حماس ان تقوم بانقلابها عام 2006 كخطوة هامة في تحقيق فصل غزة عن الضفة الغربية بما يخدم الخطة التي يسعى الى تحقيقها نتنياهو، وشارك حماس في تنفيذ هذه الخطة الاعلام القطري و حركة الاخوان المسلمين بالاضافة الى غباء قيادات السلطة الفلسطينية بعدم ادراكهم لحقيقة الخطة الاسرائيلية عنهم وانشغالهم بتفاصيل اللعب باكذوبة المفاوضات التي لم تكن ذي جدوى مع ايهود اولمرت كرئيس للوزراء في حين ان نتنياهو كان يعلم بانه لن يتركه ليتوصل الى اي اتفاقيات مع الطرف الفلسطيني المغرر به.

جاءت فترة الرئاسة الامريكية بالرئيس اوباما والتي اراد نتنياهو منها ان يحقق اقصى ما يمكن تحقيقه، وتمثل ذلك في انتزاع اعتراف غير مسبوق من من اوباما بيهودية الدولة الاسرائيلية وهو ما تحقق بكلمة اوباما امام الامم المتحدة في سبتمبر عام 2012، بالاضافة الى ما اوصى به "دينس روس" الصديق الصدوق لنتنياهو بانتهاء قدرة الرئيس الفلسطيني على ان يكون شريكا في اي عملية سلام وبهذا تحقق لنتنياهو ما كان يصبو اليه، التصفية السياسية للرئيس الفلسطيني و بالتالي الانتها مرة وللابد من منظمة التحرير الفلسطينية و حركة فتح التي قادت المنظمة بمشروعها الوطني المحدد، والذي لم تساوم عليه رغم مناوراتها السياسية من اجل الوصول اليه منذ تاسيسها. هذه الخطوة جاري العمل عليها من قبل اسرائيل و بشكل مستميت لاكمالها عبر تفكيك حركة فتح ذاتها، و زرع عدم الثقة بين الشعب الفلسطيني و قيادة منظمة التحرير؟ الشيء الذي لا يدركه الشعب ولا القيادة الفلسطينية بكل اطيافها!
 بقراءة تسلسل الاحداث التي وضعها نتنياهو وقام على انجاز الكثير منها، تتضح جليا كل معالم الصفقة التي وضعها نتنياهو واستراتيجيوه منذ زمن مبكر، سبق التوقيع على اتفاق اوسلو، و يمكن تلخيص الصفقة بناء على ما تم تنفيذه منها الى:
·      الخلاص من اوسلو و المشاركين على توقيعها الاساسيين فلسطينيين كانو او اسرائيلين.
·      الخلاص من تبعيات اوسلو الملزمة لاسرائيل.
·        تنفيذ السلام القائم على مبدأ تحسين الوضع الاقتصادي و الغاء اي حل قائم على مبدأ الارض مقابل السلام
·      فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية سياسيا و منع قيام اي تواصل جغرافي.
·      تحقيق يهودية الكيان الصهيوني.
·      القدس الموحدة عاصمة دولة اسرائيل.
·      ضم الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني.
·      اعطاء دورا لحماس و من يدور في فلكها بتحقيق دويلة محددة القدرات في غزة.
·      انهاء حق العودة عبر الغاء المؤسسات الدولية التي يمكن ان تبقيه حيا (الاونروا)، واعطاء الفرصة للهجرة الطوعية و الهجرة القسرية اذا ما توجب ذلك.
وبالنظر الى الخطوات السابقة يلاحظ ان نتنياهو قد استطاع تحقيق السواد الاعظم من الخطة، وكان من الذكاء بمكان عندما قرأ شخصية ترامب قبل ان يصل الى البيت الابيض وقام على احاطته بمجموعة من المساعدين و المستشارين (منهم ابنته و زوجها الصهيوني التوجه والعقيدة) ليقوموا على تنفيذ الخطوة النهائية من الخطة النتنياهيية باسم الولايات المتحدة، خاصة ان نتنياهو نفسه كان شريكا في التحضير للواقع العربي الحالي و الذي ادى الى تدمير ثلاث جيوش عربية من خلال الحراكات الممنهجة في الوطن العربي باسم "الربيع العربي"، ولن يكن هناك ادنى غرابة اذا ما تذكرنا بان نتنياهو كان مديرًا لمعهد يوناتان وهو مؤسسة لبحث سبل مكافحة الإرهاب عام 1976.

قام ترامب بمساعدة صهره كوشنير بتنفيذ نقل السفارة الامريكية الى القدس على اساس معلن وهو ان القدس موحدة هي عاصمة اسرائيل، و اوكل لكوشنير و قريقه بصياغة اليات تنفيذ الخطوات الاخيرة لتنفيذ ماعجز نتنياهو عن اكماله في بنود خطته السابقة بكاملها في محاولة منه لانهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني و بما يفتح المجال لاحقا الى تنفيذ التطبيع الاقتصادي العربي الاسرائيلي و بما يضمن تحقيق كامل السيطرة الاقتصادية على منطقة الشرق الاوسط على اعتبار ان اسرائيل هي الدولة العظمى على رأس الاقليم.

يتم التشغيل بواسطة Blogger.